ﺭﻭﺍﺋﻊ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻲ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﺳﻠﻴﻤﺎﻥ ﻭﻣﻠﻚ ﻓﺮﻧﺴﺎ ﺍﻷﺳﻴﺮ

ﻭﻗﻊ ﻣﻠﻚ ﻓﺮﻧﺴﺎ "ﻓﺮﻧﺴﻴﺲ ﺍﻷﻭﻝ " ( 1547-1494 ﻡ ) ﺃﺳﻴﺮﺍ ﻓﻲ ﻳﺪ ﺍﻣﺒﺮﺍﻃﻮﺭ ﺃﻟﻤﺎﻧﻴﺎ "ﺷﺎﺭﻟﻜﺎﻥ " ﺑﻌﺪ ﻫﺰﻳﻤﺘﻪ ﻓﻲ ﻣﻌﺮﻛﺔ " ﺑﺎﻓﻴﺎ " ﺍﻟﺘﻲ ﺟﺮﺕ ﻓﻲ 1525-02-24 ﻡ .

   ﻋﻠﻰ ﺇﺛﺮ ﻫﺬﺍ ﺍﻷﺳﺮ، ﺑﻌﺚ ﻛﻞ ﻣﻦ ﻣﻠﻚ ﻓﺮﻧﺴﺎ ﺍﻷﺳﻴﺮ ﻭﺃﻣﻪ ﺍﻟﺪﻭﻗﺔ " ﺩﺍﻧﺠﻮ " ﺭﺳﺎﻟﺔ ﺍﻟﻰ ﺃﻛﺒﺮ ﺃﻣﺒﺮﺍﻃﻮﺭ، ﻭﺃﻛﺒﺮ ﺳﻠﻄﺎﻥ ﺁﻧﺬﺍﻙ ﻓﻲ ﺃﻭﺭﻭﺑﺎ ﻭﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ، ﻭﻫﻮ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ " ﺳﻠﻴﻤﺎﻥ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻲ " ، ﻳﺮﺟﻮﺍﻥ ﻣﻨﻪ ﺍﻟﺘﺪﺧﻞ ﻹﻧﻘﺎﺫ ﺍﻟﻤﻠﻚ "ﻓﺮﻧﺴﻴﺲ ﺍﻷﻭﻝ " ، ﻭﻗﺎﻡ ﺳﻔﻴﺮ ﻓﺮﻧﺴﺎ ﻟﺪﻯ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴﺔ ﺍﻟﻜﻮﻧﺖ " ﺟﺎﻥ ﺩﻭ ﻓﺮﺍﻧﺠﻴﺎﻥ "ﺑﺈﻳﺼﺎﻝ ﻫﺎﺗﻴﻦ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺘﻴﻦ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ " ﺳﻠﻴﻤﺎﻥ ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻧﻲ ."
ﻛﺎﻧﺖ ﺭﺳﺎﻟﺔ ﺃﻡ ﺍﻟﻤﻠﻚ ﺍﻷﺳﻴﺮ ﺧﺎﺻﺔ ﻣﺆﺛﺮﺓ ﻭﻣﺆﻟﻤﺔ ﺇﺫ ﻛﺎﻧﺖ ﺧﻼﺻﺘﻬﺎ ﻫﻲ "ﻟﻘﺪ ﻛﻨﺖ ﺍﻋﺘﻤﺪ ﺣﺘﻰ ﺍﻵﻥ ﻓﻲ ﺧﻼﺹ ﺍﺑﻨﻲ ﻣﻦ ﺍﻷﺳﺮ ﻋﻠﻰ ﺇﻧﺼﺎﻑ ﻭﻣﺮﻭﺀﺓ "ﺷﺎﺭﻟﻜﺎﻥ " ﻭﻟﻜﻦ ﺧﺎﺏ ﻇﻨﻲ ﻓﻴﻪ، ﺇﻻ ﺃﻧﻪ ﻣﺴﺘﻤﺮ ﻓﻲ ﺍﻳﻘﺎﻉ ﺑﺎﻧﻲ، ﻭﺑﻤﺎ ﺃﻥ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺗﻌﺮﻑ ﻋﻈﻤﺘﻜﻢ، ﻭﺷﻬﺮﺗﻜﻢ ﻭﻣﺠﺪﻛﻢ، ﻗﺈﻧﻲ ﺃﺗﻮﺳﻞ ﺇﻟﻴﻜﻢ ﻳﺎ ﺻﺎﺣﺐ ﺍﻟﺠﻼﻟﺔ ﺃﻥ ﺗﺴﻌﻮﺍ ﻟﺨﻼﺹ ﺍﺑﻨﻲ ﻭﻹﻧﻘﺎﺫﻩ".
ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﻗﺮﺃﻭﺍ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ، ﻭﺗﺮﺟﻤﻮﻫﺎ ﻟﻪ، ﺍﻟﺘﻔﺖ ﺇﻟﻰ ﻭﺯﺭﺍﺋﻪ ﻭﺇﻟﻰ ﺍﺻﺤﺎﺑﻪ ﻗﺎﺋﻼً ﻟﻬﻢ ﺑﺄﻟﻢ- ﺃﺭﺃﻳﺘﻢ ﻛﻴﻒ ﻳﺨﻔﻖ ﻗﻠﺐ ﺍﻷﻡ ﺣﺰﻧﺎً ﻭﺃﻟﻤﺎً ﻋﻠﻰ ﻭﻟﺪﻫﺎ؟
ﺛﻢ ﺃﻣﺮ ﺑﺈﺭﺳﺎﻝ ﺭﺳﺎﻟﺘﻴﻦ ﺇﺣﺪﺍﻫﻤﺎ ﻟﻠﻤﻠﻚ ﺍﻷﺳﻴﺮ "ﻓﺮﻧﺴﻴﺲ ﺍﻷﻭﻝ " ﻭﺍﻷﺧﺮﻯ ﻟﻮﺍﻟﺪﺗﻪ، ﻭﻛﺎﻥ ﻣﻠﺨﺺ ﺭﺳﺎﻟﺘﻪ ﻟﻠﻤﻠﻚ ﻫﻮ ﺇﻟﻰ "ﻓﺮﻧﺴﻴﺲ " ﻣﻠﻚ " ﺍﻳﺎﻟﺔ " ﻓﺮﻧﺴﺎ ... ﻟﻘﺪ ﻭﺻﻠﺖ ﺭﺳﺎﻟﺘﻚ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺴﻠﻄﻨﺔ ﺑﻮﺳﺎﻃﺔ ﺭﺟﻠﻜﻢ "ﺳﻔﻴﺮﻛﻢ " " ﻓﺮﺍﻧﺠﻴﺎﻥ " ، ﻛﻤﺎ ﺑﻌﺜﺘﻢ ﺑﻮﺳﺎﻃﺔ ﺷﻔﻮﻳﺔ، ﻓﻬﻤﺖ ﻣﻨﻬﺎ ﺃﻥ ﺍﻷﻋﺪﺍﺀ ﺩﺧﻠﺖ ﺑﻠﺪﻛﻢ، ﻭﺃﻧﻜﻢ ﻻ ﺗﺰﺍﻟﻮﻥ ﺣﺘﻰ ﺍﻵﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﺒﺲ، ﻭﺗﺮﻏﺒﻮﻥ ﻣﻌﺎﻭﻧﺘﻨﺎ ﻓﻲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺨﺼﻮﺹ ، ﻟﻴﺲ ﻋﺠﻴﺒﺎً ﺃﻥ ﻳُﻬﺰﻡ ﺍﻟﻤﻠﻮﻙ ﻭﺃﻥ ﻳُﺤﺒَﺴُﻮﺍ؛ ﻟﺬﺍ ﻓﻌﻠﻴﻜﻢ ﺃﻻ ﺗﺒﺘﺌﺴﻮﺍ ﺇﻥ ﺧﻴﻮﻟﻨﺎ، ﻭﺳﻴﻮﻓﻨﺎ ﻣﺴﺘﻌﺪﺓ ﻋﻠﻰ
ﺍﻟﺪﻭﺍﻡ ﻓﻲ ﺍﻟﻠﻴﻞ ﻭﺍﻟﻨﻬﺎﺭ، ﻭﺳﻴﻜﻮﻥ ﻭﻓﻖ ﻣﺎ ﺗﺮﻳﺪﻩ ﻣﺸﻴﺌﺔ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ -ﻭﺗﻌﺎﻟﻰ - ﻣﻦ ﺃﻣﺮ ﺃﻭ ﺧﻴﺮ  .
ﻣﻦ ﺗﺪﻗﻴﻖ ﺭﺳﺎﻟﺔ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﻫﺬﻩ، ﻧﺮﻯ ﺃﻥ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﻻ ﻳﻨﻈﺮ ﺇﻟﻰ ﻓﺮﻧﺴﺎ ﻛﺪﻭﻟﺔ ﻭﻣﺎ ﻳَﻌُﺪُّﻫﺎ ﺇﻻ " ﺇﻳﺎﻟﺔ " ﺃﻱ ﻣﻘﺎﻃﻌﺔ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻘﺎﻃﻌﺎﺕ، ﻭﻻ ﻳﺮﻯ ﻣﻠﻜﻬﺎ ﺇﻻ ﺑﻤﺜﺎﺑﺔ ﻣﻠﻚ ﻋﻠﻰ ﻣﻘﺎﻃﻌﺔ، ﻭﻫﻮ ﻳﻄﻴﺐ ﺧﺎﻃﺮﻩ، ﻭﻳﻬﻮﻥ ﻋﻠﻴﻪ ﻫﺰﻳﻤﺘﻪ، ﻭﺣﺒﺴﻪ ﻭﻳﻌﺪﻩ ﺑﺎﻟﻤﺴﺘﻘﺒﻞ ﺑﺸﻜﻞ ﻏﺎﻣﺾ ﻗﺎﺋﻼً:
ﺇﻥ ﻣﺎ ﺃﺭﺍﺩﻩ ﺍﻟﻠﻪ ﻛﺎﻥ، ﻭﺇﻥ ﺧﻴﻮﻟﻪ ﻭﺳﻴﻮﻓﻪ ﻣﺴﺘﻌﺪﺓ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺪﻭﺍﻡ،  ﻭﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺃﻧﻪ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻳﺮﻏﺐ ﻓﻲ ﺇﻇﻬﺎﺭ ﺧﻄﻄﻪ، ﻭﻧﻴﺘﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﻮﺟﻪ ﺍﻟﻰ ﺍﻟﺤﺮﺏ ، ﻓﻘﺪ ﻭﺻﻠﺘﻪ ﺍﻷﺧﺒﺎﺭ ﺑﺄﻥ
ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﻤﺴﻴﺤﻲ ﻳﻌﺪ ﺣﻤﻠﺔ ﺻﻠﻴﺒﻴﺔ ﻛﺒﻴﺮﺓ ﺿﺪ ﺍﻟﺪﻭﻟﺔ ﺍﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴﺔ؛ ﻟﺬﺍ ﻛﺎﻥ ﻳﺴﺘﻌﺪ ﻟﻤﻮﺍﺟﻬﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻤﻠﺔ،  ﻭﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﺗﻢ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩﻩ ﺗﻮﺟﻪ ﺍﻟﻰ " ﺍﻟﻤﺠﺮ " ، ﺣﻴﺚ ﻗﺎﺑﻞ ﻫﻨﺎﻙ ﺟﻴﻮﺵ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﺍﻷﻭﺭﻭﺑﻴﺔ ﺍﻟﻤﺸﺘﺮﻛﺔ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻤﻠﺔ ﺍﻟﺼﻠﻴﺒﻴﺔ، ﻭﻛﺎﻧﺖ ﺃﻫﻢ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺪﻭﻝ ﻫﻲ: ﺍﻟﻤﺠﺮ، ﻭﺃﻟﻤﺎﻧﻴﺎ، ﻭﺇﻳﻄﺎﻟﻴﺎ، ﻭﺃﺳﺒﺎﻧﻴﺎ، ﻭﺗﺸﻴﻜﻮﺳﻠﻮﻓﺎﻛﻴﺎ، ﻭﺃﻓﻼﻙ، ﺑﻔﺪﺍﻥ، ﻭﺑﻮﻟﻨﺪﻩ، ﻛﻤﺎ ﺍﺷﺘﺮﻙ ﺍﻟﺒﺎﺑﺎ ﺍﻳﻀﺎً ﺑﺠﻨﻮﺩﻩ، ﻭﻭﻗﻌﺖ ﻫﻨﺎﻙ ﻣﻌﺮﻛﺔ " ﻣﻮﻫﺎﺝ " ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻴﺔ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻄﺮﻓﻴﻦ ﻓﻲ 29 ﻣﻦ ﺁﺏ ﺳﻨﺔ 1526 ﻡ ، ﻭﻛﺎﻧﺖ ﻣﻌﺮﻛﺔ ﻗﺎﺳﻴﺔ؛ ﻟﻀﺨﺎﻣﺔ ﺍﻟﺠﻴﻮﺵ ﺍﻟﻤﺸﺘﺮﻛﺔ ﻓﻴﻬﺎ، ﻭﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﻨﺘﻴﺠﺔ ﻧﺼﺮﺍً ﺳﺎﺣﻘﺎً ﻟﻠﺠﻴﺶ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ، ﻭﻫﺰﻳﻤﺔ ﻛﺒﻴﺮﺓ ﻟﻤﻠﻮﻙ ﺃﻭﺭﻭﺑﺎ، ﻭﻟﺠﻴﻮﺷﻬﺎ ﺍﻟﺠﺮﺍﺭﺓ .
ﺑﻌﺪﻣﺎ ﺗﻠﻘﻰ "ﺷﺎﺭﻟﻜﺎﻥ " ﺍﻣﺒﺮﺍﻃﻮﺭ ﺃﻟﻤﺎﻧﻴﺎ ( ﺍﻟﺬﻱ ﻛﺎﻥ ﻣﺸﺘﺮﻛﺎً ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺮﺏ ) ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻬﺰﻳﻤﺔ ﺍﻟﺸﻨﻴﻌﺔ، ﺗﺨﻠﻰ ﺃﻭﻻً ﻋﻦ ﻣﻄﺎﻣﻌﻪ ﻓﻲ ﺑﻌﺾ ﺍﻟﻤﻤﺘﻠﻜﺎﺕ ﺍﻟﻌﺜﻤﺎﻧﻴﺔ ﻓﻲ ﺃﻭﺭﻭﺑﺎ، ﻛﻤﺎ ﺍﺿﻄﺮ ﺇﻟﻰ ﺇﺧﻼﺀ ﺳﺒﻴﻞ "ﻓﺮﻧﺴﻴﺲ ﺍﻷﻭﻝ " ﻣﻠﻚ ﻓﺮﻧﺴﺎ ﺍﻷﺳﻴﺮ ﻟﺪﻳﻪ، ﻟﻌﻠﻤﻪ ﺑﺮﻏﺒﺔ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق